التداوي بالكي
الكَيُّ: معروف إِحراقُ الجلد بحديدة ونحوها، كواه كَيّا.
والكَيَّةُ: موضع الكَيِّ. والكاوِياء: مِيسَمٌ يُكْوَى به. واكْتَوَى الرجل يَكْتَوِي اكْتِواء: استعمل الكَيَّ. الرجل: طلب أَن يُكْوَى. والكَوَّاء: فَعَّال من الكاوِي.
لذع : اللذْعُ حُرْقةِ النار وقيل هو مسّ النارِ وحِدَّتها لَذَعَه يَلْذَعُه لَذْعاً ولَذَعَتْه النار لَذْعاً لفَحَتْه وأَحْرقتْه ، واللَّذْعُ الخفيفُ من إِحراق النار يريد الكَيَّ والمَلْذُوعٌ كُوِيَ كَيّةً خفيفةً ، وفي الحديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ " رواه البخاري
يقول صلى الله عليه وسلم " ثلاث إن كان في شيء شفاء فشرطة محجم أو شربة عسل أو كية تصيب ألما و أنا أكره الكي و لا أحبه ".انظر حديث رقم: 3026 في صحيح الجامع.
وعن جابر رضي الله عنه قال : { رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله , فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار , فانتفخت يده , فحسمه مرة أخرى } .
كان العلاج بالكي من الطرق الشائعة في الأزمنة القديمة وقد استخدمه الإغريق على نطاق واسع تطبيقا لنظريتهم في الأخلاط والأمزجة، وجاء العرب فطوروا آلاته واستخدموه في علاج كثير من الأمراض، وقد كان من الصعب العثور على تفسير نظري لنجاح هذه الطريقة في تخفيف الآلام .
والكي من الأساليب العلاجية التي لا غنى عنها اليوم في كافة التخصصات الجراحية وإن كنا بالطبع نستخدم آلات معقدة لتحقيق ذلك .
وقبل أن نذكر العمل به ، ينبغي أن نذكر كيفية منافعه ومضارّه، وفي أي مزاج يستعمل
إن الكي ينفع بالجملة لكل مزاج، يكون مع مادة وبغير مادة، حاشا مزاجين؛ وهما المزاج الحار من غير مادة، والمزاج اليابس من غير مادة، فأما المزاج الحار اليابس مع مادة ، فقد اختلفوا فيه؛ فقال بعضهم إن الكي نافع فيه ، وقال بعضهم بضد ذلك أن الكي لا يصلح في مرض يكون من الحرارة واليبوسة، لأن طبع النار الحرارة واليبوسة، ومن المحال أن يُستشفى من مرض حار يابس بدواء حار يابس ، وقال الذي يقول بضد ذلك: إن الكيّ بالنار قد ينتفع به في مرض حارٍّ يابس يحدث في أبدان الناس، لأنك متى أضفت بدن الإنسان ورطوبته إلى مزاج النار، أصبت بدن الإنسان بارداً، و التجربة كشفت ، أنه لا ينبغي أن يتصور على ذلك إلا من قد ارتاض ودرِّب في باب الكي دربة بالغة، ووقف على اختلاف مزاجات الناس، وحال الأمراض في أنفسها وأسبابها وأعراضها، ومدة زمانها ، وأما سائر الأمزجة فلا خوف عليكم منها، ولا سيما الأمراض الباردة الرطبة، فقد اتفق جميع الأطباء عليها، ولم يختلفوا في النفع بالكي فيها وأما قول العامة أيضاً، أن الكي آخر الطب، فهو قول صواب، لا إلى ما يذهبون هم في ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن لا علاج ينفع بدواء ولا بغيره بعد وقوع الكيّ، والأمر بخلاف ذلك، وإنما معنى أن الكي آخر الطب، إنما هو أننا متى استعملنا ضروب العلاج في مرض من الأمراض، ولم تنجع تلك الأدوية ، ثم استعملنا آخر شيء الكيّ فنجع، فمن ها هنا وقع أن الكي آخر الطلب، لا على المعنى الذي ذهبت إليه العامة .
وفي الكي فصول متعدد أهمها :
فصل
في كيّ الرأس كيّة واحدة
تنفع هذه الكيّة من غلبة الرطوبة والبرودة على الدماغ، اللتين هما سبب الصداع ، وكثرة النزلات من الرأس إلى ناحية العينين والأذنين، وكثرة النوم، ووجع الأسنان، وأوجاع الحلق. وبالجملة لكل مرض يعرض من البرودة؛ كالفالج والصرع والسّكتات ونحوها من الأمراض
فصل
في كي بواسير المقعدة
إذا كان في المقعدة بواسير مزمنة، كثيرة أو واحدة، وكانت من أخلاط غليظة باردة أو رطوبات فاسدة، وعولجت فلم ينجع العلاج، فاكوِ العليل ثلاث كيات على أسفل خرز الظهر، تحت المائدة قليلاً، مثلثة، وكية تحت السرة بمثل إصبعين، وإن قدّرت أن معدته قد بردت وطعامه لا ينهضم، ورأيت وجهه متورماً، فاكوه على المعدة كية كبيرة على ما تقدم، وكية على كبده، وأخرى على طحاله، بمكواة مسمارية، واترك الكي مفتوحاً زماناً، ثم عالجه حتى يبرأ إن شاء الله تعالى
فصل
في كيّ عرق النَّسا
إذا حدث وجع في حُق الورك، وكان سبب ذلك برد ورطوبات، وعالجت العليل ، ولم ينجع العلاج وأزمن ذلك، فينبغي أن يسهل العليل من الأخلاط الغليظة بحب المنتن، أو حب الصناعي ونحوه، ثم اكوه ... ووجه الكي فيه على ضربين؛ إما بالأدوية المحرقة، وإمّا كيّ بالنار، فالكيّ بالنار يكون على وجوه كثيرة، أحدها أن تكون على حق الورك نفسه ثلاث كيات مثلثة على هذه الصورة
فصل
في كيّ وجع الظهر
قد يعرض الوجع في الظهر من أسباب كثيرة؛ إما عن سقطة أو ضربة، أو استفراغ مفرط ونحو ذلك، ويكون من انصباب مادة باردة رطبة. والكي إنما يقع في هذا الصنف وحده الذي يكون من انصباب مادة باردة رطبة، فينبغي بعد استفراغ العليل بحب المنتن ونحوه، أن يُكوى على ظهره حيث الوجع ثلاثة صفوف على عرض المائدة نفسها، بعد أن تعلّم المواضع بالمداد، في كل صف خمس كيّات أو أكثر على قدر ما ترى من احتمال العليل وقوته، ويكون الكي بمكواة النقطة، وإن شئت كويته ثلاث كيات أو أربع، بمكواة مسمارية متوسطة
فصل
في كيّ ابتداء الحدبة
كثيراً ما تعرض هذه العلة للأطفال الصغار، وعلامة ابتدائها في الأطفال أن يحدث عليه ضيق النفس عند القيام والحركة، ويجد في آخر فقارات ظهره خرزة قد بدت تنتؤ على سائر الخرزات، فإذا رأيت ذلك وأردت توقيفها فاكوه بمكواة تكون دائرة على هذه الصورة
فصل
في كيّ النقرس وأوجاع المفاصل
إذا كانت أوجاع المفاصل عن رطوبات باردة تنصب إلى أي عضو كان من الجسم؛ فإذا حدثت الأوجاع في الرجلين فمن عادة الأطباء أن يسموا ذلك نقرساً خاصة، فإذا عولج النقرس البارد السبب بضروب العلاج ولم تذهب الأوجاع فإن الكي يذهب بها، وهو أن تكويه بعد الاستفراغ حول مفصل الرجلين كيات كثيرة، وتكون المكواة زيتونية متوسطة
وإن احتجت أن تنقط على وجه الرِّجْل فافعل بمكواة النقطة ... فإن صعدت الأوجاع إلى الركبتين أو إلى سائر المفاصل، وكثيراً ما يعرض ذلك ، فاكوه على ركبتيه ثلاث كيات أو أربع من كلّ جهة بهذه المكواة الزيتونية بعينها ، فإن أحوجت إلى أكثر من هذا الكي ، فاكوه ولا تعمق يدك بالكي، بل يكون نحو ثخن الجلد فقط، فإن صعدت الأوجاع إلى الوركين والظهر، فاستعمل ما ذكر من الكي في بابه.
فإن كانت الأوجاع في اليدين فقط، فنقط حول الزندين كما تدور صفين، فإن بقيت من الأوجاع في الأصابع فنقطها على كل عقدة نقطة، وعلى مشط اليد... فإن صعدت الأوجاع بعد أيام إلى المرفقين أو إلى المنكبين، فاكوهما من كل جهة. ولا تخل العليل من التدبير الجيد وأخذ الأدوية، فإنه إن أحسن التدبير واستفرغ البلغم، فإنه يبرأ مع هذا الكي إن شاء الله تعالى
فصل
في كي السرطان
إذا كان السرطان مبتدئاً وأردت توقيفه، فاكوه بمكواة الدائرة حواليه كما يدور، وقد ذكر بعض الحكماء أن يكوى كية بليغة في وسطه، أما، الصواب أن يكوى حواليه بدائرة كما قلنا، أو بكيات كثيرة إن شاء الله
فصل
في كيّ المسامير المعكوسة وغير المعكوسة
كثيراً ما تحدث في أسافل القدمين هذه العلة، وهي شيء خشن متلبد يؤلم الرجل، والكي فيها على وجهين؛ إما الكي بالنار، وإما الكي بالماء الحاد، فأما الكي بالنار فهو أن تحمي المكواة المجوفة الشبيهة بريش النسر، تصنع من حديد، على قدر ما يحيط بالمسمار من كل جهة، وتكون رقيقة الحاشية، ثم تنزلها حامية على المسمار، ثم تدير يدك بالمكواة حول المسمار، حتى تصل المكواة إلى عمق المسمار، وتتركه ثلاثة أيام حتى تهم بالتقيح، ثم تضمدها بالخبازي البرّية المدقوقة بالملح، وتترك الضماد عليها ليلة، فإنها تنقلع من أصولها، ثم تعالج موضع الجرح بالمرهم المنبت للحم حتى يبرأ إن شاء الله تعالى
فإن كانت المسامير غير معكوسة، وكثيراً ما تحدث في سطح البدن، ولا سيما في الأيدي والأرجل، فينبغي أن تأخذ أنبوبة من نحاس أو من حديد، أو ريش نسر، وتنزلها على المسمار أو الثؤلول، ثم تلقي في الأنبوبة من الماء الحاد قدراً يسيراً، وتمسك يدك وأنت تديرها مع غمز يدك قليلاً، لكي تؤثر حاشية الأنبوبة في أصل المسمار، أو يجد الماءُ الحادُّ السبيل إلى الغوص إلى أصل المسمار، ويصبر العليل قليلاً على لذع الماء الحاد ساعة، ثم تتركه فإن المسمار ينقلع بأصوله ... هكذا تفعل بها واحدة واحدة، حتى تأتي على جميع ما منها في الجسم، ثم تعالج مواضعها، بعد أن تنقلع، بما ينبت اللحم من المراهم إن شاء الله تعالى
فصل
في كي النزف الحادث عند قطع الشريان
كثيراً ما يحدث نزف الدم من شريان قد انقطع عند جروح تعرض من خارج، أو عند شق ورم، أو كيّ عضو ونحو ذلك، فيعسر قطعه، فإذا حدث لأحد ذلك فأسرع بيدك إلى فم الشريان، فضع عليه إصبعك السبابة، وسدّه نعمّا، حتى ينحصر الدم تحت إصبعك، ولا يخرج منه شيء، ثم ضع في النار مكاوٍ زيتونية، صغاراً وكباراً عدة، وتنفخ عليها حتى تصير حامية جداً، ثم تأخذ منها واحدة إما صغيرة وإما كبيرة، على حسب الجرح والموضع الذي انفتح فيه الشريان، وتنزل المكواة على نفس العرق بعد أن تنزع إصبعك بالعجلة، وتمسك المكواة حتى ينقطع الدم، فإن اندفع عند رفعك الإصبع من فم الشريان وطفأ المكواة، فخذ مكواة أخرى بالعجلة من المكاوي التي في النار المعدّة، ولا تزال تفعل ذلك بواحدة بعد أخرى حتى ينقطع الدم، وتحفّظ لا تحرق عصباً يكون هناك فتحدث على العليل بليّة أخرى .