مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم ا
قال الإمام المازري: مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علماً على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمراً على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد علماً على غيره، كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علماً على المطر والجميع خلق الله تعالى، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علماً على ما يسر بغير حضرة الشيطان، ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان، فينسب إلى الشيطان مجازاً لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" لا على أن الشيطان يفعل شيئاً، فالرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه هذا كلام المازري. وقال غيره: أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعاً من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته، ولا فعل للشيطان فيهما لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره" أما حلم فبفتح اللام كما سبق بيانه والحلم بضم الحاء وإسكان اللام، وينفث بضم الفاء وكسرها، واليسار بفتح الياء وكسرها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فلينفث عن يساره ثلاثاً" وفي رواية: "فليبصق على يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات" وفي رواية: "فليتفل عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحداً فإنها لا تضره".وفي رواية: "فليبصق على يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه" فحاصله ثلاثة أنه جاء فلينفث وفليبصق وفليتفل وأكثر الروايات فلينفث ، وقد سبق في كتاب الطب بيان الفرق بين هذه الألفاظ ومن قال أنها بمعنى ولعل المراد بالجميع النفث وهو نفخ لطيف بلا ريق ويكون التفل والبصق محمولين عليه مجازاً. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها لا تضره" معناه أن الله تعالى جعل هذا سبباً لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسبباً لدفع البلاء، فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها، فإذا رأى ما يكرهه:
نفث عن يساره ثلاثاً قائلاً: أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها، وليتحول إلى جنبه الاَخر وليصل ركعتين فيكون قد عمل بجميع الروايات، وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث. قال القاضي: وأمر بالنفث ثلاثاً طرداً للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة تحقيراً له واستقذاراً، وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها واليمين ضدها