بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعـــــد..
* فيا أخي المسلم :
أقدم إليك عبر هذه الوريقات نصيحة أخوية حول موضوع مهم جداً رأيت الكثير من أهل الخير في زماننا قد غفلوا عنه مع أهميته وعظم فوائده ، ألا وهو ذكر الله بعد صلاة الصبح في المسجد حتى تطلع الشمس راجياً من الله التوفيق والعون والسداد .
قال تعالى :
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (النور:36)
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وأقام الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (النور:37) }(1) .
وقد مدح الله تعالى هؤلاء الرجال بأنهم في بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه وهي المساجد .
وهذا فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي صاروا بها عماراً للمساجد ، يسبحون له في أول النهار وآخره فيها .
ومن أراد أن يسلك طريق أولئك الرجال فعليه بلزوم المساجد والجلوس فيها لذكر الله وقراءة القرآن .
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس في المسجد مع الصحابة ويتذاكر معهم القرآن ، وقد حدثنا جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال : (( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً ))(2) .
والرسول -صلى الله عليه وسلم- رغبنا في لزوم المساجد والجلوس فيها فقال : (( من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ))(3) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أربعة من ولد إسماعيل ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة ))(4)
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (( لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين ( أو أكثر ) من ولد إسماعيل ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع ( رقاب ) من ولد إسماعيل ))(5)
وعنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة ))(6) .
وعن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (( من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلاّ خيراً غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر )) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى وأظنه قال : (( من صلى صلاة الفجر ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة ))(7) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله : -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة وقال : (( من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزله عمرة وحجة متقبلتين ))( .
وعن عبدالله بن غابر أن أبا أمامة وعتبة بن عبدالله حدثاه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (( من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً له حجة وعمرته ))(9) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثاً ، فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة : فقال رجل : يا رسول الله ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة أولاً أعظم غنيمة من هذا البعث فقال : (( ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة ؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء ، ثم عمد إلى المسجد ، فصلى فيه الغداة ثم عقب بصلاة الضحوة ، فقد أرع الكرة وأعظم الغنيمة))(10) .
وفي الكتاب المصنف لابن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا إسماعيل قال حدثني قيس بن أبي حازم عن مدرك بن عوف قال : مررت على بلال وهو بالشام جالس غدوة فقلت : ما يحبسك يا أبا عبدالله ؟ قال : أنتظر طلوع الشمس(11) .
وفي الكتاب المصنف لابن أبي شيبة أيضاً قال : وكيع عن بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب قال : كان عبدالله إذا صلى الفجر لم يدع أحداً من أهله صغيراً ولا كبيراً يطوف حتى تطلع الشمس (12) .
وكان ابن أبي ليلى إذا صلى الصبح نشر المصحف وقرأ حتى تطلع الشمس (13) .
وقال الوليد بن مسلم رأيت الأوزاعي يقبع في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ويخيرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفضوا في ذكر الله والتفقه في دينه (14) .
وسئل الإمام مالك عن النوم بعد صلاة الصبح فقال : غيره أحسن منه وليس بحرام(15) .
قال مالك : كان سعيد بن أبي هند ونافع مولى ابن عمر وموسى بن ميسرة يجلسون بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ثم يتفرقون ولا يكلم بعضهم بعضاً اشتغالاً بذكر الله(16) .
كما ثبت أيضاً أن أغلب دروس الأئمة والعلماء بعد صلاة الفجر .
كما حدث الربيع بن سليمان أنه قال : كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه ، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا ، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار ثم ينصرف رحمه الله(17) .
وعن أبي معاذ عن مسعر بن كدام . قال : أتيت أبا حنيفة في مسجده ، فرأيته يصلي الغداة ، ثم يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر ثم يجلس إلى العصر ، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء (18) .
كما حرص السلف الصالح على الالتزام بهذه السنة فها هو شيخ الإسلام ابن تيمية كما ينقل عنه تلميذه ابن القيم يجلس بعد الصلاة يذكر الله وكان يقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، يعني بذلك ما يحصل للعابد من لذة المناجاة التي لا نسبة بينها وبين لذات الدنيا بأسرها وكان يقول رحمه الله كما ينقل عنه تلميذه ابن القيم : هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي.
وقد كان إذا صلى الفجر جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار (19) .
أولئك قوم شيد الله فخرهم 0000000 فما فوقه فخر وإن عظم الفخر
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدلك على تجارة رابحة وخطة ناجحة ، أن تستيقظ مبكراً ثم تصلي الصبح وتستمر في مصلاك حتى مطلع الشمس ، وتتنفل بركعتين ليكتب لك ثواب حجة تامة(20) .
كما أنك إذا عملت بهذه السنة طهرت من الدنس ونقيت صحيفتك من الخطايا وإن كانت مثل رغوات البحر وزبده(21) .
وبسط الله لك رزقك وشعرت بالفرح وذهبت إلى عملك قرير العين مثلوج الفؤاد . باسم الثغر ممتلئاً قوة ونشاطاً وثقة بالله واعتماداً عليه لأنك تحس برضا مولاك ، وإحاطة رحمته بك ، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي مر بنا : (( أولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة ))(22) .
والله لشعور الإنسان بأداء عبادة ربه محور السعادة ومجلب السيادة والسرور ، ومدعاة لرضاء الخالق . وكان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يصلون الفجر وينتظرون في مصلاهم يسبحون الله حتى مطلع الشمس ، ونحن في هذا الزمن زاد السهر والسمر ويتأخر الغافل في النوم حتى تطلع الشمس .
ولعلك غرفت يا أخي أفعال الموفقين في الحياة الذين جمعوا بين العمل لطلب الرزق وطاعة الله بأداء االحقوق وتسبيح الله صباحاً ومساءً (23) .